الساعة كم ؟

ذاكرة أنا واصل


الأمة التي لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع ، ولا تحارب مما تنتج وتصنع ، فكيف تنتصر على أعدائها

من سنن الله الثابتة في كونه أن الفتح والبركة لا تآتي إلا بعد الإيمان والتقوى

التقوي غير مقرونة بشكل أو بهيئة وغير مقصورة على طائفة دون أخرى

إذا صحت العقيدة واستقام السلوك استقامت الحياة كلها

التاريخ أثبت أن كلما اقترب المسلمون من الله كلما وسع الله عليهم وفتحت لهم الفتوح ودانت لهم الأمم

الفتوحات الإسلامية عمرت الأرض والاستعمار الغربي بنا حضارته من دماء الشعوب وجماجم الأمم

أيمن عبد الرازق

في هذا الشهر الكريم نعيش مع العلامة القرضاوي في رحاب القرآن الكريم فنتفئ ظلاله ونقتبس من أنواره ونغتنم منه كل ليلة لنعيش مع آية أو أكثر من كتاب الله عز وجل وفي هذه الليلة نعيش مع آية من سورة الاعراف وهي " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " هذه الآية تتضمن سنة من سنن الله في كونه من القوانين التي جاء بها القرآن الكريم ، مثل قوله تعالى " من يتق الله يحعل له من أمره يسرا – إن تنصروا الله ينصركم – إن ينصركم الله فلا غالب لكم – إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم – هذه قوانين قرآنية لا تتبدل ، وهي تتضمن سنن من السنن الكونية والسنن الاجتماعية ، والتي تتصف بالشمول والعموم من ناحية والثبات والدوام من ناحية أخرى ، فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ، ماذا تقول هذه السنة في الآية الكريمة التي نحن بصددها الليلة يقول الله تعالى " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ " الجماعات التي تعيش على الأرض إذا اجتمع فيها القانون والتقوى فتح الله عليهم بركات من السماء والأرض ، وكلمة قرى في القرآن تعني المدن ، فمكة اسمها أم القرى وهي مدينة ، وفي قصة يوسف واسأل القرية التي كنا فيها يقصدون عاصمة مصر ، فما معنى آمنوا واتقوا ؟ بعض الناس يظن أن حياة الإيمان والتقوى هي حياة الدراويش والمجاذيب والبله من الناس حتى أنهم حكوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً باطلاً أن أكثر اهل الجنة البله ، والقرآن يقول أن أصحاب الجنة هم أولو الألباب " أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ " فالإيمان معناه صحة العقيدة والتقوى معناها استقامة السلوك ، وإذا صحت العقيدة واستقام السلوك استقامت الحياة كلها لهم ، فهم أولياء الله ألم يقل القرآن " أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ " فأولياء الله هم المؤمنون المتقون فليسوا هم أصحاب العمائم الخضراء ولا هم أصحاب اللحى ولا هم أصحاب الثياب القصيرة ، يقول الله تعالى " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّين" اليهود أحدثوا ضجة كبيرة عندما تحولت القبلة ، وقالوا كيف تحولون القبلة ؟ فرد عليهم القرآن أن البر بالإيمان بالله واليوم الآخر ، وليس مجرد أن نولي وجوهنا إلى جهة معينة ، فالبر بر العقيدة وبر العمل وبر العبادة وبر الأخلاق والسلوك ، فهؤلاء هم المتقون ، فما معنى التقوى ؟ القرآن ملئ باتقوا الله فإذا اتقيت الله اتقيت النار واتقيت المعاصي واتقيت ظلم الناس وإيذائهم واستقمت على الطريق المستقيم ، وهي مصدر كل خير في الدنيا والآخرة ، في الدنيا " وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ "، " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً " فالتقوى كلها خير وتحسك على كل رشد وتنهاك عن كل إثم ، وخصوصاً التقوى المنبثقة عن الإيمان ، فالتقوى الحقيقية ليست في المظهر ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى صدره وقال التقوى هاهنا ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستعين بوسائل الإيضاح ، فكان يشير إلى لسانه ويقول كف عنك هذا ، ولذلك من أساس التقوى خشية الله عز وجل ، أن تعلم ان الله يراقبك في كل حركاتك وسكناتك ، في كل غدواتك وروحاتك ، يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ، إذا اجتمع في مجتمع الإيمان والتقوى ، فلن يكون مجتمعاً متعطلاً ولا متبطلاً ، ولكن يكون مجتمعاً عاملاً منتجاً ، سيتعبد لله تعالى بالعمل يعلم أن الزراعة فيها تعبد لله " ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طيراً أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ، والصناعة تعبد لله ما أكل أحد طعام قط خير من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده ، رغم أنه كان ملكاً ولكنه كان لا يتعيش من الملك فكان يتعيش من الصنعة ، وكذلك التجارة فالتاجر الصدوق يحشر مع الأنبياء والصديقين والشهداء ، لأنه يجاهد في ميدان الاقتصاد ولا يتركه لليهود وأعداء الإسلام ، فالإنسان الذي يعمل وينشط ويبدأ يومه من قبل الفجر فهكذا اليوم الإسلامي ، ورأيت هذا في صباي وشبابي في القرى ، يذهبون الناس إلى حقولهم ، وكذلك في المجتمع القطري حينما جئت من خمسين عاماً كانوا يبدأون يومهم قبل الفجر ، هكذا مجتمع يتقن عمله ويعلم أن الله كتب الإحسان على كل شيء ، والمؤمن يتخلق بأخلاق الله فلا يغش ، ولا يجور على حق غيره ولا يخون ، ولا ينفق وقته فيما لا يفيد ويعلم أن الوقت نعمة من الله عز وجل وأن الله سيسأله عن هذه النعمة ماذا فعل فيها ، لا تزول قدم عبد حتى يسأل عن أربع منها عن شبابه فيما أبلاه وعن وقته فيما أفناه، فالمؤمن يحسب حساب كل ثانية لأن الله سيسأله عن كل لحظة ، فليعمرها بالخير ، ويعلم أن الله خلقه ليعمر الأرض ، وقد جعله الله خليفة في الأرض ، فلا يضيع صحته في شرب الخمر أو المخدرات أو التدخين لأن هذا انتحار بطئ ، فالمجتمع المؤمن المتقي من شأنه أن تملأ حياته الغنى والثروة والبركة وهكذا يقول القرآن " لفتحنا عليهم بركات من السموات والأرض " وهذا ليس كرامة أو من باب الخوارق والمعجزات ، بل هي سنة الله ، فإذا كان مجتمع حقيقي مجتمع مؤمن مجتمع عامل مجتمع متماسك مجتمع حريص على وقته حريص على نعم الله ، ينفق نعم الله في طاعة الله في نفع الناس وإشاعة الخيرات فهذا المجتمع حسب سنن الله لابد أن تمتلئ حياته بالثروة والبركة والغنى ، وهذا ما أكده القرآن في أكثر من آية" وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ " ، " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً " مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون" حتى أن أهل الكتاب قال الله عنهم " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ "

وهذا قانون إلهي من عهد آدم وحواء " قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى " ومن عهد نوح عليه السلام " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً " " قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ " فما يعطى الكفار والمعتدين والظالمين سماه القرآن متعة ، وما يعطى للمؤمنين فسماه الله بركة والبركة هي زيادة في الخير ، فهي تمثل السعة والثبات ، ووصف الماء بأنه ماء مبارك فيدل على السعة والنماء، هذا قانون إلهي أن لو الناس استقاموا على الطريقة وأمنوا واتقوا فالنعم تنزل عليهم ظاهرة وباطنة ، والتاريخ يثبت ذلك ، فكلما اقترب المسلمون من دين الله عز وجل وكانوا أقرب إلى تطبيقه كلما وسع الله عليهم ، وكلما بعدوا عن دين الله وكفروا بنعمته كلما أذاقهم الله لباس الجوع والخوف " وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " فشكر النعمة يزيدها ، وكفرها بأن تستعمل في غير طاعة الله فإن عذاب الله شديد " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ " فهذا هو القانون الإلهي ، كما فعل المسلمون في الزمن الأول فتح الله لهم الفتوح ودانت لهم الأمم ، وانتصروا على أعدائهم رغم قلة عددهم بالنسبة لأعدائهم ، ورغم قلة أسلحتهم مقارنة بأسلحة أعدائهم ، لكن الله نصرهم وفتح عليهم الدنيا ، ومن نصره الله فلا غالب له ، ولم يكونوا كالمستعمرين الغربيين حينما أفسدوا البلاد ونهبوا خيراتها ، وأذلوا الشعوب ، وامتصوا خيراتها ، وبنوا بها حضارتهم من دماء الشعوب وجماجم الأمم المختلفة ، ولم يكن الفتح الإسلامي فتح استعمار ولا يراد به دنيا ، ولكنهم تعلموا أن من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وإلا سيكون في سبيل الطاغوت ، وسبيل الشيطان ، المسلمون صنعوا حضارة عالمية حضارة ثمانية قرون فكانوا العالم الأول ، الآن أصبحوا عالم ثالث ، أو عالم نامي ، وإن كنا لا ننمو ، فنحن نستورد طعامنا منهم ، ونسنورد أدويتنا منهم ، ونستورد أسلحتنا منهم ، الأمة التي لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع ، ولا تحارب مما تنتج وتصنع ، فكيف تنتصر على أعدائها وهي معتمدة على غيرها.


Category : | edit post

0 Response to "درس التراويح ٧ رمضان ١٤٣٠هـ للعلامة الشيخ / يوسف القرضاوي"

مع الشيخ / رائد صلاح

مع الشيخ / رائد صلاح
مع الشيخ / رائد صلاح

بين العملاقين القرضاوي وخالد مشعل

بين العملاقين القرضاوي وخالد مشعل

مع الشيخ / رائد صلاح

مع الشيخ / رائد صلاح
مع الشيخ / رائد صلاح

أبو الوليد خالد مشعل

أبو الوليد خالد مشعل

العلامة القرضاوي

العلامة القرضاوي

أبو الوليد خالد مشعل

أبو الوليد خالد مشعل

الشيخ وجدي غنيم

الشيخ وجدي غنيم

أسامة حمدان

أسامة حمدان

محمد نزال

محمد نزال

د/طارق السويدان

د/طارق السويدان

د / عصام البشير

د / عصام البشير

د/ صلاح سلطان

د/ صلاح سلطان

الأستاذ / فهمي هويدي

الأستاذ / فهمي هويدي

د/عبد المنعم أبو الفتوح

د/عبد المنعم أبو الفتوح

الكابتن / وائل جمعة

الكابتن / وائل جمعة

د/أكرم العدلوني

د/أكرم العدلوني

الشيخ / حارث الضاري

الشيخ / حارث الضاري

د/عبد المنعم

د/عبد المنعم

د/جاسم سلطان - د/ سيف الدين عبد الفتاح - الشيخ أكرم كساب

د/جاسم سلطان - د/ سيف الدين عبد الفتاح - الشيخ أكرم كساب

Followers