درس الشيخ القرضاوي ٣ رمضان ١٤٣٠ هـ
أيمن عبد الرازق

اتفاق الأديان السماوية على الإيمان بالله والإيمان بالجزاء والحساب والخلود في الآخرة
الإنسان في حاجة إلى المغفرة كما أنه في حاجة إلى الجنة
لا يخرج الشهوة من القلب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق
تناول فضيلة العلامة الدكتور القرضاوي من تلاوة الليلة الرابعة من سورة آل عمران هذه الآيات الثلاث :
"وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
(133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) "وقال فضليته أن من الأشياء التي اتفقت عليها الأديان السماوية كلها ثلاثة أركان يقوم عليها الدين وهي الإيمان بالله سبحانه وتعالى والإيمان بالجزاء والحساب والخلود في الآخرة كما قال الله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ "
فالإيمان بالجزاء في الآخرة والحساب والعقاب والجنة والنار ركن أساسي في كل دين وخصوصاً الإسلام ، حتى أن الإسلام لخص الإيمان في الإيمان بالله واليوم الآخر وهذا يتضمن الأعمال الصالحة لأنه لا إيمان بدون عمل ، لذلك القرآن ملئ بالآيات عن الجنة ليشوق الناس إليها وملئ بالآيات التي تتحدث عن النار ليخوف الناس منها ومن هذه الآيات " "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ... "جاء هذا بعدما خوف الله الناس من النار في قوله " وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) " والنفس الإنسانية يسوقها الرغب والرهب الخوف والطمع كما قال ابن عطاء الله ( لا يخرج الشهوة من القلب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق ) وليس هناك خوف أشد من الخوف من النار ، ولا شوق أعظم من الشوق إلى الجنة ن والقرآن يطالبنا بالمسارعة إلى الجنة ، لأن الجنة لا يصلها إلا إنسان نشيط سريع فهي مسارعة ومسابقة " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " لا مكان للمتثاقل أو المتخازل ، والإنسان المؤمن يسارع إلى المغفرة قبل الجنة ومعنى هذا أن كل إنسان لا يخلو من مخالطة الذنوب ومن ملابسة السيئات ، وهذه طبيعة الإنسان فقد خلقنا الله من طين والطين لا يخلو من الكدر ، ومعلوم أن الإنسان مخلوق من عنصر أرضي طيني وعنصر علوي روحي رباني ، فالإنسان بين نزعتان نزعة تهبط به إلى الأرض ونزعة تسمو به إلى السماء ، فإذا غلبت النزعة الأرضية كان الإنسان كالأنعام أو أضل سبيلاً ، وإذا غلبت النزعة الربانية يصبح كالملائكة أو أفضل ، لذلك ينبغي للإنسان أن دائماً أن يكون مستغفراً تائباً راجعاً إلى الله ، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا فتستغفروا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم " ولو لم يكن هذا إذن كيف يعمل اسم الله الغفار والتواب والعفو فالعباد يطلبون المغفرة فيغفر الله لهم ، ويطلبون العفو فيعفوا الله عنهم ، ويطلبون التوبة فيتوب الله عليهم ، ولذلك كل إنسان له من الذنوب ماله تقل أو تكثر ، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " فكل إنسان محتاج إلى مغفرة قبل الدخول للجنة لذلك كان طلب المؤمنين من الله " رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ " حتى الأنبياء طلبوا من الله المغفرة ، فكل إنسان في حاجة إلى مغفرة كما أنه في حاجة إلى الجنة ، ومعنى المسارعة إلى المغفرة والمسارعة إلى الجنة المسارعة إلى أسباب المغفرة والمسارعة إلىالأسباب والطريق الموصل إلى الجنة .
وعرضها السموات والأرض توحي أن الجنة شئ عظيم شئ ضخم حتى أن آخر من يدخل الجنة يعطيه الله عشر أمثال ملك من ملوك الدنيا ، فما بالك بالسابقين والأنبياء والشهداء والصالحين ، إذن أين تكون الجنة ؟ تكون في ملك الله الواسع والذي لا يعلمه إلا هو ، والكون شديد الاتساع وما رصد إلى الآن من الكون لا يزيد عن 3% وهذا بعد التقدم الهائل في وسائل الرصد من تلسكوبات وغيرها ، فالأرض صغيرة في المجموعة الشمسية ، والمجموعة الشمسية نقطة في المجرة (سكة التبانة) ، وهذه المجرة يوجد مثلها ملايين المجرات .
وهذه الجنة أعدها الله للمتقين فلذلك على المؤمنين أن يسيروا على صراط الله المستقيم حتى ينالوا الجنة بما أعدها الله لهم من حور عين ومن طيبات ومقاعد ومشارب ، فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على فلب بشر ، ويكفي أنها بجوار الله وفيها التمتع بالنظر إلى الله " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فالزيادة هي رؤية الله عز وجل .
إذن من هم المتقون ؟ ذكر لنا القرآن بعض صفات المتقين فهم الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "
الذين ينفقون في العسر واليسر ، ينفقون في الشدائد ووقت الضيق والنبي عليه الصلاة والسلام قال سبق درهم ألف درهم قالوا كيف ذلك يا رسول الله قال رجل عنده مال كثير فأخذ منه خمسين ألفاً ، ورجل عنده درهمان فتصدق بأحدهما، يعني تصدق بنصف ما يملك ، لذلك زكاة الفطر يخرجها الفقير الذي يملك قوت يوم العيد وليليته والغني ، أما غنيكم فيزكيه الله تعالى وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر ما أعطى .
وأما كظم الغيظ فالإنسان يغتاظ بطبيعته إذا تعرض لإنسان أساء إليه بسب أو بقذف أو بأي شئ ، فينفس عن نفسه بضرب هذا الإنسان أو الانتقام منه ، فالإنسان لديه قوتان داخليتان القوة الشهوية والتي تجعل الإنسان كالبهيمة ، والقوة الغضبية تجعل الإنسان سبعاً مفترساُ ، فالوازع الإيماني هو الذي يهذب هاتين القوتين ، والإنسان المؤمن لا يمشي وراء غضبه ، ولكن يعفوا عن من ظلمه ويحسن لمن أساء إليه وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ، فهذا من كمال الإحسان والله يحب المحسنين والإحسان من التقوى والله يحب المتقين ، والمتقين ليس ملائكة مقربين ولا أنبياء معصومين ، بل إنهم بشر لكنهم إذا مسهم الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون تذكروا اطلاع الله عليهم فأبصروا الطريق ورجعوا مسرعين إلى الله مستيقظة ضمائرهم يقولون ما قال أبوهم آدم وأمهم حواء رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ
وقد علمنا القرآن أن حال المؤمن أنه دائم الاستغفار والأصل في الاستغفار أنه بالقلب واللسان والاستغفار هو توبة بالقلب مع الاستغفار باللسان ، والاستغفار باللسان وحده يحتاج إلى استغفار كما قالت رابعة العدوية ، والله يغفر الذنوب جميعا وليس هناك حاجب يحول بين العبد وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)
والاستغفار ينافي الإصرار فهذا ليس من شأن المؤمنين فقد قال السلف لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار .